هل يمكننا أن نغير العالم ؟
مازن كم الماز
لو أن أحد ما سألنا هذا السؤال منذ أسابيع فقط لكان الجواب سلبيا بالكامل , تماما كما كان حالنا يومها , لكن اليوم الموضوع يختلف … لا معنى للحديث فقط عن أننا نعيش في عالم سيء , يكفي أن نذكر أن المعري الذي أراد أن يفعل ما لم يفعله الأوائل قد مات منذ قرون و لكن القهر و الخداع و النذالة و الظلم .. كل ما انتقده و كل ما أراد أو حلم بتغييره ما يزال كما هو في هذا العالم .. هل يمكن للعبيد , لأكثر البشر تهميشا و فقرا , الذين يكاد يختزل وجودهم الفعلي إلى مجرد خدمة السادة و إنتاج الثروة التي يكدسونها في جيوبهم , بل هل يمكن لأي إنسان , أيا يكن , خارج فئة السادة , أن يفعل أي شيء ؟ أي شيء على الإطلاق , خاصة في مواجهة نظام السادة و عالم السادة المدجج بالمؤسسات القمعية حتى الثمالة , التي تقمع كل شيء فينا و تراقبه و تعاقبه على الفور عندما تريد و كيفما تريد ؟ لكن الثورة التي تجتاح كل شيء اليوم تغير وعينا نحن , بنفس السرعة التي تغير بها العالم من حولنا … لقد أصبح هذا العالم الغبي و القاسي الذي لا يريد أن يتزحزح عن صدورنا , أصبح فجأة قابلا ليس فقط للسقوط بل أصبح أشبه بعجينة في أيدينا , ينتظر أن يتشكل من جديد كما يريده الثوار , ما يريد العبيد الثائرون … بالأمس فقط كان العبيد يرقصون طربا لأي تغيير صغير أو تافه , لأي بادرة من السادة , أو لأي تقنين في قمع و قهر النظام , لكن اليوم كل هذا يتغير , ما يزال هناك من لا يتوقف عن مطالبة الثوار بأن يتوقفوا عن المطالبة بالحرية نفسها , أن هناك حدودا لقدرتهم على إعادة تشكيل العالم و أن عليهم أن يقبلوا مرة أخرى بالقليل الممكن , أن يقبلوا بشيء من الحرية فقط , الذي يعني بالضرورة عبودية أقل فقط , هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا في الماضي يتحدثون عن العالم كشيء يخلقه السادة و يعيشه المهمشون بكل سلبية , لكن العالم لم يعد بعد ثورات المهمشين و المحرومين عالم السادة , صحيح أنه ليس عالم العبيد بعد , و هذا ما يجب تغييره في حقيقة الأمر , هذا الذي يجب على الثوار أن يغيروه كي يصبح عالمهم , كي يصبحوا أحرارا بالفعل … الحقيقة أن الثورة قد كشفت حقيقة توازن القوى الفعلي , فلا جيش و لا حراس مبارك أو بن علي شكلوا قوة الحسم في 14 يناير كانون الثاني أو 11 فبراير شباط , و لا إعلامهما أو أزلامهما الذين حرصوا طوال العقود التي قضياها في السلطة على تزييف الواقع و خداع المهمشين كانوا من حدد وعي الفقراء و المهمشين في أيام الثورة … لن على عس ما يقوله هؤلاء , ففي أيام الثورة , يبدأ الشباب , الفقراء , العاطلون , النساء , كل من كان يريد أزلام السادة إقناعه بعجزه أمام أنظمة القمع و الاستبداد و بضرورة الاستسلام غير المشروط للقوى الحاكمة , يبدؤون بممارسة الحلم , يجب على مهمشي و مقهوري الماضي هؤلاء أن يطلقوا العنان لأحلامهم و مخيلتهم في إعادة تشكيل العالم , أذكر من بين شعارات ثورة الشباب في 1968 شعار “أطلقوا العنان للمخيلة !” أو ربما “كل السلطة للخيال !” , من الغباء جدا في أوقات الثورة , عندما تكون كل السلطة في أيدي الطبقات الفقيرة و المهمشة , عندما تكون كل السلطة في أيدي الشارع , أن تعيد إنتاج سلطة يخضع لها المهمشون من جديد , هذه ليست مرحلية , من يتحدث عن المراحل و المرحلية فإنه يعني شيئا واحدا , أن الوقت لم يحن بعد ليحكم الناس أنفسهم و لكي يتقاسموا ما ينتجوه بشكل عادل , بل أن هذه هي المرحلة المناسبة لتولي هذا الفريق أو ذاك ( الذي يكون عادة ذلك الحزب أو الجزء من النخبة التي “تتطوع” للقيام بدور النظام السابق ) مهمة اتخاذ القرارات نيابة عن البشر و أن يوزعوا هم نتاج عملهم , لا تنجح كل الثورات , هذا صحيح , لكن بداية الهزيمة تبدأ عندما يتردد الثوار في انتزاع حريتهم الفعلية , و أتفه مصير لأي ثورة أن تخلق هي بيديها نظاما شبيها بالذي أسقطته , نظاما سيقوم بشيء واحد فقط , أن يعيد الأحوال إلى ما كانت عليه , وأن يعيد تركيب نير العبودية على ظهور البشر الذين أسقطوه بالأمس , هذا خاصة بينما يثور العبيد و المحرومون في كل مكان ما كما يجري الآن فإن الطغيان و الاستغلال في كل مكان يكون في أضعف حالاته على الإطلاق , عندما يتهاوى السادة في كل مكان يصبح أي سيد منهم أضعف بكثير لأنه ليس فقط خسر عمليا دعم السادة الآخرين بل لأن عبيده يرون غيرهم ينتزعون حريتهم من أيدي سادتهم , في هذه الأيام بالتحديد يجب أن تكون الحرية فقط , الحرية الفعلية لكل المهمشين و المحرومين , فقط هي أساس العالم الجديد , لقد أنتجت الثورات بالفعل مؤسسات حريتنا الفعلية , أقصد اللجان الشعبية , و المجالس الشعبية , حيث نرسم تفاصيل حياتنا الجديدة دون خوف أو قمع أو أن يكون حتى بمقدور أي كان أن يمارس القمع ضد أي كان , لقد كان ميدان التحرير و ميدان القصبة أجمل مكان , أجمل شيء عاشه المصريون و التونسيون طوال حياتهم , لا يجب إنهاء الاعتصام في التحرير أو القصبة , أنا أعتقد أن المطلوب هو أن تصبح مصر كلها ميدان تحرير و تونس كلها ميدان القصبة , أن نعيش جميعا , في هذا الشرق , بعد أن نطرد الطغاة , الذين ربما لا يجدون لهم مكانا في جدة نفسها إذا قررت جدة أن تنضم إلى عالم الحرية الجديد , في ميدان تحريرنا الحر الذي يتسع لنا جميعا ………..
Be the first to comment.