مازن كم الماز
خواطر في الثورات العربية المعاصرة 2
الثورة اللبنانية
عندما تقوم الجماهير بالثورة بسبب مقتل رفيق الحريري فإن ما تحصل عليه هو محكمة لقتلة رفيق الحريري فقط لا غير , عدد واحد محكمة , و محكمة دولية تحديدا كرمال عيون الحبايب ,
درس مهم من ثورة الأرز , أنه عندما تقوم الجماهير بثورة أرز , عليها أن تتأكد أن يترك أولئك الذين تولوا توزيع الأرز بعد الثورة أن يتركوا شيئا منه للناس العاديين , الشيء الوحيد الذي يبقي اللبنانيين العاديين في حالة رضا , أو قناعة نسبية عن وضعهم الحالي , هو المقارنة بالجار السوري , تماما كما يفعل الكوريون الجنوبيون عندما يشعرون بنفس الرضا عندما يقارنون أنفسهم بجيرانهم الشماليين , فمهما كان الوضع مأساويا لن يبلغ مستوى مأساويته عند جيرانهم , إذا كان النظام الطائفي , و زعماء الطوائف يأكلون معظم أرز الناس العاديين في لبنان فإن نظام بشار يلتهمه جميعا , بعد أن يجوع بشار الأسد السوريين يخاطبهم إعلامه قائلا : أنا سوري , أه يا نيالي ….. الواقع أن ما يحصل هو التالي : أنا سوري , إذا أنا لا آكل الأرز , أنا سوري , و النظام يأكلني و يأكل عمري و تعبي , و آه يا نيالي ,
لا أستطيع أن أتخيل سعد الحريري و هو يأمر مقاتلي و قبضايات تيار المستقبل بالدفاع عن مارون الراس أو بنت جبيل , أما أن يفعلها سمير جعجع و أن يموت القواتيون عند بوابة فاطمة فعندها سأؤمن بأن هناك إله في السماء
إذا كان سلاح حزب الله موجها إلى الداخل , أي إلى الحريري فسلاح الحريري و جعجع و الجميل , ما تيسر لهم من سلاح , موجه إلى الداخل , تحديدا إلى رؤوس جماعة حزب الله , تماما كما هو سلاح حزب الله موجه لرؤوس جماعة الحريري و جعجع , و الطرفان يريدان أن يوجه الجيش اللبناني سلاحه ضد الطرف الآخر , الجيش اللبناني لا يوجه سلاحه ضد أحد , أو لنكن أكثر دقة , فقط ضد من يمكن أن يحتج على أنه لا يأكل ما يكفي من الأرز
في النظام الطائفي طائفتك لعنة تلاحقك من المهد إلى اللحد , عندما تلقن أو عندما يخبروك اسم طائفتك فإنك تلقن أيضا اسم من سيأكل أرزك يا عزيزي , و حتى لو قررت أن تغير دينك أو طائفتك فهذا يعني أن تغير اسم من سيأكل أرزك فقط ….. ما فعله اليساريون اللبنانيون المسيحيون تحديدا منهم في خضم الحرب الأهلية هو أنهم انسلخوا عن طوائفهم لكنهم لم يصبحوا غير طائفيين , لقد غيروا فقط أسماء من يجب أن يأكل الأرز , و هذا بالضبط ما يفعله أغلب الشيعة الذين ينتقدون حزب الله اليوم أو السنة الذين ينتقدون الحريري , الخ
النظام الطائفي يوصل البشر إلى نهاية مسدودة , طريق يعود دوما إلى حيث يبدأ , إلى الطائفة , الزعيم الذي لا تستطيع أن تعطس في وجهه , يمكنك أن تنتقد كما تشاء أيا كان لكن عندما يتوجب عليك أن تنتخب فليس أمامك إلا سيد واحد , أو اثنان في أفضل الحالات , و عندما يتعين عليك أن تموت فلديك خيار واحد كي تموت في سبيله , نفس الزعيم الذي صعد على أكتافك إلى ما يسمى بمجلس النواب , في النظام الطائفي زعماء أو وجهاء الطوائف المتخاصمة ليسوا بديلا , لا الحريري بديل عن حزب الله و لا حزب الله بديل عن الحريري , في النظام الطائفي يكمل هؤلاء بعضهم البعض , فحزب الله و بري هم السادة المتوجون للشيعة لأن الحريري هو سيد أهل السنة و الجماعة , و العكس صحيح , البديل الحقيقي في النظام الطائفي هو ألا تكون طائفيا , ألا تموت و تخضع لزعيم طائفتك و أيضا ألا تدعه يأكل أرزك , لكن للأسف لا يمكنك أن تفعل هذا لوحدك , عليك أن تفعل هذا مع الناس العاديين , الذين يحصلون على أقل حصة من الأرز , من الطوائف الأخرى , عندما تستطيعون فعل ذلك سيمكنكم أن تأكلوا الكثير من الأرز معا …
لا يمكن فهم عنتريات جعجع و اعتباره لنفسه مقاوما هو الآخر إلا بسبب جرائم النظام السوري السابقة في لبنان , لقد كان وجود قوى النظام السوري العسكرية و الأمنية ثقيلا على اللبنانيين العاديين , فظا و مكروها بامتياز , لكن كما هو حال صراع حزب الله مع إسرائيل فإن الصراع الطويل بين جعجع و من سبقوه من أبطال المارونية السياسية الميليشيويين و بين النظام السوري لا علاقة له لا بهذه الغلظة و لا بالجرائم التي مارسها النظام السوري في لبنان , إنه صراع إيديولوجي , إذا كان صراع حزب الله في حقيقته هو مع مشروع دولة إسرائيل نفسها فصراع جعجع هو مع أي مشروع لتمدد أو حتى مجرد نفوذ قوة عربية حتى لو لم تكن إسلامية الهوى و الطابع أو معادية للإسلاميين كما هو حال النظام السوري , المضحك في الموضوع أنه و الجنرال يستمدان شرعيتهما من نفس المصدر , جعجع يخوف الموارنة مع الأصولية الشيعية و الجنرال يخوفهم من الأصولية السنية , تماما كما يخوف الحريري السنة في لبنان من مشروع شيعي رافضي و يحدثهم عن مزايا ولاية الفقيه الوهابية بدلا من مزايا ولاية الفقيه الشيعية , بينما أن جعجع مستعد في الواقع ليضع يده بيد مجاهدي الشمال السلفيين ضد “العدو المشترك” الرافضي المدعوم سوريا و إيرانيا و … هل ما تزال قادرا على أن تفهم أي شيء بعد كل هذا ؟ إذا كنت تستطيع حل كل هذه الألغاز فدعني أقول لك بكل ثقة : ابتسم أنت لبناني ….