يتفق باعة الديمقراطية المغشوشة والتالفة ومنتهية الصلاحية لدبنا على ما هو معلوم بالضرورة من الحريات والحقوق الإنسانية، إلا أنهم ينهون إعلانهم دائما بتحفظات تخل بتلك الحريات والحقوق الإنسانية وتفقدها معناها، إذ يضعون عشرات القيود على تلك الحريات والحقوق ويضيقون من مجال ممارستها. وغالبا ما تأتى هذه التحفظات تحت شتى الدعاوى التى أبرزها حماية الخصوصية الثقافية أو الدينية أو القومية وغيرها، وتحت دعاوى أن ما تم التعارف عليه عالميا من هذه الحقوق والحريات الإنسانية هو صناعة غربية بالأساس لا تخصنا نحن العرب والمصريين، وكأن قهر الإنسان هو من صفاتنا الأصيلة التى يجب الحفاظ عليها، إلا ان الحقيقة هى أن شوق الإنسان للحرية هو شوق عالمى و نضاله من أجلها لا علاقة له بالحضارات والثقافات والأديان والقوميات.
إن مثل هذا الحديث يتضمن إهانة شخصية لكل فرد منا بما فى ذلك المهووسون الذين يرددونه كالببغاوات التى لا تعقل ما تقول، لأن هذا الحديث و إن كان يأتى على سبيل مدح الذات القومية والدينية، والتعالى بالجهل والتخلف على علم وتقدم الآخرين لا يعنى سوى شىء واحد ، أننا أدنى طبيعيا من المواطن الغربى الذى يستمتع بتلك الحقوق والحريات، و مثل هذا الحديث تماما هو ما رد به المعتمد البريطانى على الوفد المصرى الذى ذهب إليه مطالبا بالاستقلال عام 1919، وهو نفس الحديث الذى يردده العنصريون الغربيين هناك بأننا أقل شأنا من أن نستمتع بالحريات والحقوق الإنسانية، وما حجة الخصوصية المرفوعة خفاقة أمام حرية الفرد باعتباره فرد فى بلادنا، إلا حجة كل الطغاة لتبرير طغيانهم، و ما هى سوى حجة الاستعماريين الذى قال عميدهم فى الهند كبلنج أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
فى مواجهة هوية الفرد وحريته وحقوقه ينصب الفاشيون والشعبويون رايات الدولة والوطن والثقافة والدين والقومية وغيرها ليمسخوا هوية الفرد و يسحقوها، و يقيدوا حقوق الإنسان وحرياته، و ما لم يكن هذا الفرد مخدوعا أومخدرا أو مغسول العقل، فسيكتشف أن الدولة الحرة هى دولة مستبدة بمواطنيها بطبيعتها، و أن الدولة القوية تعنى مواطنين ضعفاء إزاءها، وأن حرية الوطن و استقلاله لا يعنى شيئا طالما كان المواطن نفسه غير حر و غير مستقل، و أن تقييد حقوق المواطن باسم الثقافة والدين و الحضارة والعادات والتقاليد يعنى تقييد حريته فى اختيار ما يشاء من عقائد وأديان، واختيار ما يلتزم به من ثقافات وعادات وتقاليد.